.webp)
كوريا الشمالية تفتح أبوابها للسياح بعد خمس سنوات من العزلة: جولة غير تقليدية في راسون
بعد أكثر من خمس سنوات من الإغلاق الصارم بسبب جائحة كورونا، بدأت كوريا الشمالية تدريجيًا بإعادة فتح حدودها أمام السياح الأجانب. ومع ذلك، فإن الوجهة السياحية الجديدة ليست العاصمة بيونغ يانغ أو المواقع المعروفة مثل جبل كومغانغ، بل مدينة راسون، وهي منطقة صناعية نائية في أقصى شمال شرق البلاد، بالقرب من حدودها مع روسيا والصين.
السياحة في كوريا الشمالية: جولة في مصانع ومزارع غير تقليدية
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، فقد حصلت بعض شركات السياحة الأجنبية على تصاريح لنقل الزوار الدوليين إلى راسون، وهي منطقة لا تُعرف عادة بكونها وجهة سياحية، لكنها الآن تمثل أول نقطة دخول مفتوحة للسياح منذ تفشي فيروس كورونا.
مصنع للأغذية ومزرعة لتربية خيار البحر
تشمل الجولة السياحية في راسون بعض المواقع التي لا تتوافق مع المعايير التقليدية للسياحة، حيث سيزور السياح مصنعًا لمعالجة المواد الغذائية ينتج وجبات خفيفة ومشروبات مختلفة، بالإضافة إلى مزرعة لتربية خيار البحر، وهو حيوان بحري يُعرف أيضًا باسم قثاء البحر، ويُستخدم في بعض الأطباق الفاخرة في الصين وكوريا.
التوقيت: تزامن مع "يوم النجم الساطع"
يأتي قرار كوريا الشمالية بإعادة فتح السياحة جزئيًا بالتزامن مع تاريخ 16 فبراير/شباط، الذي يُعرف داخل البلاد باسم "يوم النجم الساطع"، وهو ذكرى ميلاد كيم يونغ إيل، والد الزعيم الحالي كيم يونغ أون. وغالبًا ما يشهد هذا اليوم احتفالات عسكرية واستعراضات تذكارية تهدف إلى تعزيز الولاء للنظام الحاكم.
برامج سياحية بأسعار متفاوتة: من 645 إلى 705 يورو
أعلنت شركة "كوريو تورز"، ومقرها بكين، عن رحلة خاصة بمناسبة عيد ميلاد كيم يونغ إيل، تستمر لمدة أربع ليالٍ بتكلفة 705 يوروهات، وتشمل إقامتين إضافيتين في الصين، نظرًا لأن معظم المسافرين إلى كوريا الشمالية يمرون عبر بكين.
أما شركة "يونغ بايونير تورز"، وهي شركة سياحة أخرى، فقدمت رحلة مماثلة ولكنها أقصر قليلًا، بتكلفة 645 يورو.
أنشطة غير تقليدية في راسون: من عروض التايكوندو إلى فتح حسابات مصرفية
إحدى الميزات الغريبة التي أعلنت عنها شركة "كوريو تورز" عبر موقعها الإلكتروني هي أن الجولة ستتضمن زيارات لمصانع مختلفة، إلى جانب مشاهدة عرض للتايكوندو في مدرسة راسون للتايكوندو.
ومن بين أكثر الجوانب إثارة للاهتمام، فإن الجولة تشمل التوقف عند بنك المثلث الذهبي، وهو أحد المؤسسات المالية الرئيسية في المدينة، حيث سيتعرف الزوار على النظام الاقتصادي الفريد للمنطقة، بل ويمكنهم حتى فتح حساب مصرفي خاص في كوريا الشمالية، وهي فرصة نادرة في بلد يتمتع بأحد أكثر الأنظمة المالية سرية وعزلة في العالم.
منطقة اقتصادية خاصة ولكنها محاطة بالغموض
تُعد راسون واحدة من المناطق القليلة في كوريا الشمالية التي تتمتع بوضع "منطقة اقتصادية خاصة"، حيث تسمح ببعض أشكال الاستثمار الأجنبي وتجارة محدودة مع الدول المجاورة، مثل الصين وروسيا. لكن رغم ذلك، فإن معظم المعلومات حول الأنشطة التجارية والاقتصادية في المدينة تظل محدودة للغاية، نظرًا لطبيعة النظام الكوري الشمالي الذي يُحكم سيطرته على تدفق المعلومات.
.webp)
كوريا الشمالية والسياحة قبل الجائحة: قيود صارمة على الأجانب
قبل تفشي جائحة كورونا، كانت كوريا الشمالية تستقبل حوالي 5000 سائح سنويًا، معظمهم من الصين، إلى جانب عدد قليل جدًا من المغامرين الغربيين الذين يسعون إلى استكشاف البلد الأكثر انغلاقًا في العالم.
ورغم أن السياحة كانت مصدرًا صغيرًا للدخل القومي، إلا أن بيونغ يانغ كانت حريصة دائمًا على التحكم التام في ما يراه الزوار، حيث كان كل سائح يخضع لإشراف مرشدين حكوميين ولا يُسمح له بالتنقل بحرية داخل البلاد.
وبالإضافة إلى السياح، كان هناك عدد محدود من الدبلوماسيين وعمال الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة، ولكن معظم هؤلاء غادروا كوريا الشمالية في بداية الجائحة ولم يُسمح لهم بالعودة إلا مؤخرًا.
على سبيل المثال، لم يُسمح لـ ديفيد إليس، سفير المملكة المتحدة في بيونغ يانغ، بالإقامة في سفارته منذ تعيينه في عام 2021، مما يعكس مدى التشدد الذي فرضته السلطات الكورية الشمالية على دخول الأجانب خلال السنوات الماضية.
قيود صارمة وسلوكيات محسوبة: كيف يجب أن يتصرف السياح؟
بالنسبة للزوار، فإن السفر إلى كوريا الشمالية ليس مجرد مغامرة سياحية، بل تجربة محفوفة بالقيود الصارمة، حيث يُتوقع منهم الالتزام بسلوك دقيق ومحسوب.
فأي تصرف يُعتبر غير لائق قد يعرض السائح لمخاطر قانونية شديدة، كما حدث مع أوتو وارمبير، الطالب الأميركي الذي سافر إلى كوريا الشمالية في عام 2016.
حالة أوتو وارمبير: تحذير صارم للسياح
في عام 2016، تم القبض على أوتو وارمبير، وهو طالب أميركي، أثناء زيارته لكوريا الشمالية، حيث اتُهم بسرقة لافتة دعائية من فندق في بيونغ يانغ.
تمت محاكمته وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا مع الأشغال الشاقة. وبعد 15 شهرًا، أُعيد إلى الولايات المتحدة في حالة غيبوبة، حيث توفي بعد فترة وجيزة بسبب تلف دماغي حاد.
زعمت السلطات الكورية الشمالية أن وارمبير أصيب بتسمم بكتيري، بينما قالت عائلته إن التعذيب هو السبب وراء حالته الصحية. كما أشار الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب إلى أن القضية قد تكون مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
ماذا يعني فتح كوريا الشمالية للسياحة مجددًا؟
يُعتبر قرار كوريا الشمالية بإعادة فتح الحدود أمام السياح الأجانب خطوة غير متوقعة، خاصة أنها لا تزال تخضع لعقوبات اقتصادية دولية وتعاني من عزلة دبلوماسية شديدة.
لكن رغم ذلك، قد يكون هذا القرار جزءًا من محاولة لإنعاش اقتصادها المتعثر، خاصة في ظل تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين وروسيا خلال الأشهر الماضية.
فرصة نادرة ولكن محفوفة بالمخاطر
يبدو أن كوريا الشمالية تحاول إعادة جذب السياح الأجانب، ولكن بأسلوب يختلف تمامًا عن الوجهات السياحية التقليدية، حيث تركز على زيارة المصانع والمناطق الاقتصادية بدلاً من المعالم الثقافية والتاريخية.
بالنسبة للمغامرين الذين يرغبون في استكشاف بلد مغلق ومعزول، قد تكون هذه الجولات فرصة نادرة، لكن على الزوار أن يدركوا أن السفر إلى كوريا الشمالية ينطوي على مخاطر قانونية وسياسية كبيرة، حيث لا تزال البلاد واحدة من أكثر الأنظمة استبدادًا في العالم.